الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ إنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَتِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ، لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقِيمَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ (تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ) الْمَغْصُوبِ (بِقِيمَتِهِ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (تَلِفَ) بِجِنَايَةٍ (أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ تَأْنِيثُهُ عَادٍ بِمَعْنَى مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتَقَوِّمَةِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ بَدَلَ عَادِيَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْتَامَ وَالْمُسْتَعِيرَ وَغَيْرَهُمَا، وَيَخْرُجُ الْحَرْبِيُّ وَعَبْدُ الْمَالِكِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا كَانَ الْبَابُ مَعْقُودًا لِلتَّعَدِّي اخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِالْعَادِيَةِ (وَ) تُضْمَنُ (أَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ) كَالْبَكَارَةِ وَجُرْحِ الْبَدَنِ وَالْهُزَالِ (بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) بِالْإِجْمَاعِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا يَتَقَدَّرُ كَالْيَدِ وَكَانَ النَّاقِصُ أَكْثَرَ مِنْ مُقَدَّرِهِ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا نُوجِبُ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَاوِيَهُ بِإِدْخَالِ خَلَلٍ فِي الْعُضْوِ عَلَى نَفْسِ الْعُضْوِ. لَكِنَّ الْحَاكِمَ يُوجِبُ فِيهِ حُكُومَةً بِاجْتِهَادِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ا هـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، إنَّمَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ. أَمَّا فِيهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْصِ مُطْلَقًا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ (وَكَذَا) تُضْمَنُ الْأَبْعَاضُ (الْمُقَدَّرَةُ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (إنْ تَلِفَتْ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَشْبَهَ الْأَمْوَالَ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ سَقَطَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، (وَإِنْ أُتْلِفَتْ) بِجِنَايَةٍ (فَكَذَا) تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (فِي الْقَدِيمِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَمْلُوكٌ (وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْحُرَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ (وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ فَفِي يَدِهِ)، وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (نِصْفُ قِيمَتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا تُضْمَنُ يَدُ الْحُرِّ بِنِصْفِ دِيَةٍ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَهَا هُنَاكَ. أَمَّا الْغَاصِبُ ذُو الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَيَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّبَهَيْنِ، فَلَوْ كَانَ النَّاقِصُ بِقَطْعِهَا ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ، نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ قَطَعَ الْغَاصِبُ مِنْهُ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ وَيُقَوَّمُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ ا هـ. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا فَكَالْآفَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمُبَعَّضُ يُعْتَبَرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ مَعَ رُبْعِ الدِّيَةِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رُبْعِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ الْأَرْشِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِي يَدَيْ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا مَسْأَلَةً، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ قَطَعَ يَدَيْهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يُجْعَلُ قَابِضًا لِلْعَبْدِ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ لَزِمَ أَنْ يُجْعَلَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْمَقْطُوعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ تَفْرِيعَاتِهِ ا هـ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ بَلْ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَا أَرْشَ لَهُ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ (وَ) يُضْمَنُ (سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الْحَيَوَانِ) غَيْرِ الْآدَمِيِّ (بِالْقِيمَةِ) تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ وَتُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ تَلِفَتْ، أَوْ أُتْلِفَتْ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا يُشْبِهُ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ مَا نَقَصَ قِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ، وَلَوْ جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَلَمِ الْجِنَايَةِ فَهَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا أَوْ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَنَقْصِ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ؟ قَوْلَانِ فِي النِّهَايَةِ: أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الثَّانِي.
تَنْبِيهٌ: مَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحَيَوَانِ وَلِأَجْزَائِهِ تَبَعًا لِابْنِ النَّقِيبِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى أَجْزَائِهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ. أَمَّا هُوَ فَيَضْمَنُ مَا ذُكِرَ بِأَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إلَى حِينِ التَّلَفِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ قَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ، فَيَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ لِأَجْلِ النَّصِّ فِيهِ (وَغَيْرُهُ) أَيْ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ (مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَهُوَ الْمِثْلِيُّ وَإِلَّا فَالْمُتَقَوِّمُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ)، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَا يُعَدُّ كَالْحَيَوَانِ أَوْ يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِهِ بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ الرَّدِيءَ نَوْعًا. أَمَّا الرَّدِيءُ عَيْبًا فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الْقَمْحُ الْمُخْتَلِطُ بِالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْمِثْلُ فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ مِثْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا كَمَا فِي إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ الْمُتَقَوِّمِ فِي الْقَرْضِ، وَبِأَنَّ امْتِنَاعَ السَّلَمِ فِي جُمْلَتِهِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ بِحَالِهِمَا وَرَدُّ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّلَمُ فِيهِمَا جَائِزٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُمْنَعُ رَدُّ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاخْتِلَاطِ انْتَقَلَ مِنْ الْمِثْلِيِّ إلَى الْمُتَقَوِّمِ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ. لَكِنْ أُورِدُ عَلَيْهِ خَلُّ التَّمْرِ، فَإِنَّهُ مُتَقَوِّمٌ وَيَحْصُرُهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةٍ يَتَّضِحُ بِهَا الضَّابِطُ فَقَالَ (كَمَاءٍ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: بَارِدٍ إذْ الْحَارُّ مُتَقَوِّمٌ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا يَطْرُقُ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِمْ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ. لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الرِّبَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَتُرَابٍ) وَرَمْلٍ (وَنُحَاسٍ) بِضَمِّ النُّونِ بِخَطِّهِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَحَدِيدٍ (وَتِبْرٍ) وَهُوَ الذَّهَبُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ الْخَالِصِ عَنْ تُرَابِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَنَّعَ، وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْفِضَّةِ أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُ الْكِسَائِيُّ عَلَى الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ (وَمِسْكٍ) وَعَنْبَرٍ (وَكَافُورٍ) وَثَلْجٍ وَجَمَدٍ (وَقُطْنٍ) وَلَوْ بِحَبِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَمِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ فِي الْمَطْلَبِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ، فَقَالَ: أَمَّا قَبْلَ نَزْعِ حَبِّهِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ، وَأَمَّا الصُّوفُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ. قِيلَ وَهَذَا تَوَقُّفٌ مِنْهُ فِي أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ كَالْقُطْنِ (وَعِنَبٍ) وَرُطَبٍ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَا فِيهِمَا فِي بَابِ زَكَاةِ الْمُعْشَرَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ غَيْرُ مِثْلِيَّيْنِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا هُنَاكَ (وَدَقِيقٍ) وَنُخَالَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ، وَكَذَا الْحُبُوبُ الْجَافَّةُ وَالْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالْخُلُولُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْخَالِصَةُ وَالْمَغْشُوشَةُ وَالْمُكَسَّرَةُ وَالسَّبِيكَةُ (لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ)؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَانِ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةِ فَهُمَا مِمَّا خَرَجَ بِقَيْدِ جَوَازِ السَّلَمِ (فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ كَالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ وَالْقِيمَةُ كَالِاجْتِهَادِ (تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ) زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لِقَوْلِهِ لَهَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ فَوَرَدَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَامُ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمِثْلِيَّ بِالْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَعِيرِ فَكَانَ الْأَحْسَنُ ذِكْرَهُ هُنَا وَحَذْفَهُ هُنَاكَ. لَمَّا كَانَ كَلَامُهُ فِي الْغَصْبِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا إذَا خَرَجَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمَدًا فِي الصَّيْفِ أَوْ مَاءً فِي مَفَازَةٍ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ أَوْ الْمُتْلِفُ فِي الشِّتَاءِ فِي الْأُولَى أَوْ عَلَى نَهْرٍ فِي الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ فِي الصَّيْفِ فِي الْأُولَى وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فِي الثَّانِيَةِ. ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فَلَا تُرَادُ ثَانِيهَا: لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا لَهُ مُؤْنَةٌ كَأَنْ نَقَلَ الْمَالِكُ بُرًّا مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ غَصَبَهُ شَخْصٌ هُنَاكَ ثُمَّ طَالَبَهُ مَالِكُهُ بِهِ فِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِمَكَّةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي لِأَجْلِ الْمُؤْنَةِ. ثَالِثُهَا لَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا كَجَعْلِهِ الدَّقِيقَ خُبْزًا أَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا كَجَعْلِهِ الشَّاةَ لَحْمًا أَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مِثْلِيًّا آخَرَ كَجَعْلِهِ السِّمْسِمَ شَيْرَجًا ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ أَخَذَ الْمَالِكُ الْمِثْلَ فِي الثَّلَاثَةِ مُخَيَّرًا فِي الثَّالِثِ. بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْخَذُ هُوَ فِي الثَّالِثِ وَقِيمَتُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَهَذَا مَحَلُّ الِاسْتِثْنَاءِ. أَمَّا لَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا آخَرَ كَحُلِيٍّ صِيَغَ مِنْ إنَاءٍ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ. رَابِعُهَا: لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ جَازَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ ضَمَانُ الْمِثْلِيِّ بِالْمِثْلِ إلَّا إذَا لَمْ يَرْضَ مَالِكُهُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ. خَامِسُهَا: لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا وَتَلِفَ، ثُمَّ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. سَادِسُهَا: إذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ بِأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ كَالْمَعْدُومِ، وَلَوْ غَصَبَ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَتَلِفَ ضَمِنَ التِّبْرَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كَمَا مَرَّ، وَالصَّنْعَةَ بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ وَلَا رِبًا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعُقُودِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى، وَنَقَلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ مُحَرَّمَةً كَالْإِنَاءِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا كَالسَّبِيكَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ كَالتِّبْرِ. سَابِعُهَا: إذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ كَمَا قَالَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمِثْلُ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَحِلِّ الْغَصْبِ، وَلَا حَوْلَهُ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا فِي السَّلَمِ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ (فَالْقِيمَةُ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ أَشْبَهَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ وُجِدَ الْمِثْلُ بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رَدُّهَا وَطَلَبُهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ مَالَ السُّبْكِيُّ إلَى مُقَابِلِهِ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ وَلَا يُكَلَّفُ أَخْذُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ بِخِلَافِ، غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ إذَا دَفَعَهَا وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ قَبْضِهَا حَيْثُ يُجْبَرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ جَمْعُ قِيمَةٍ بِسُكُونِ الْيَاءِ (مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ، إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّلَفِ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى فَقَدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُرَادُ أَقْصَى قِيَمِ الْمِثْلِ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِبَعْضِ، الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ تَلَفِهِ لَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهِ بَعْدَ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِرَدِّهِ كَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ غَرِمَ أَقْصَى قِيَمِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ، فَالْأَصَحُّ وُجُودُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: قِيلَ قِيمَةُ يَوْمِ الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ: يَوْمُ التَّلَفِ، وَقِيلَ: يَوْمُ فَقْدِ الْمِثْلِ.
المتن: وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا، فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ) إلَى بَلَدِهِ إذَا عَلِمَ مَكَانَهُ لِيَرُدَّهُ كَمَا أَخَذَهُ (وَ) لَهُ (أَنْ يُطَالِبَهُ) مَعَ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ (بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ) أَيْ قَبْلَ الرَّدِّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إنْ كَانَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُ إلَّا بِالرَّدِّ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَخَفْ هَرَبَ الْغَاصِبِ أَوْ تَوَارِيهِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارٌ، فَإِنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ، فَإِنَّ هَذِهِ بَعْضُ تِلْكَ فَإِنَّ تِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمِثْلِيِّ وَمِنْ الْمُتَقَوِّمِ الْمُسْتَقِرِّ فِي بَلَدِ الْغَاصِبِ وَالْمَنْقُولِ عَنْهُ بِنَقْلِ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَغْرَمْ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرَادِّ، فَقَدْ يَرْتَفِعُ السِّعْرُ وَيَنْخَفِضُ فَيَلْزَمُ الضَّرَرَ وَالْقِيمَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهَذِهِ الْقِيمَةُ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا لَمَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ كَمِلْكِ الْقَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى حُكْمِ رَدِّهِ أَوْ بَدَلِهِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ، وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِلْكُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا هَذِهِ، وَالْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى الطَّلَبِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَالِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُطَالِبُهُ لَا بِالْقِيمَةِ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُطَالِبَ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مُلْكِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ يُفْهِمُ أَنَّ النَّقْلَ إلَى دَارٍ أُخْرَى بِالْبَلَدِ لَا يُسَلِّطُ عَلَى طَلَبِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَمْكَنَهُ إحْضَارُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (فَإِذَا رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (رَدَّهَا) أَيْ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَإِلَّا فَبَدَلُهَا لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَاسْتِرْجَاعِ الْقِيمَةِ جَزْمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَرِمَ الْقِيمَةَ لِإِعْزَازِ الْمِثْلِ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ عَيَّنَ حَقَّهُ وَالْمِثْلُ بَدَلُ حَقِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَمْكِينِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَدَلِ حَقِّهِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِ التَّرَادِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعٍ بِشُرُوطِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمَغْصُوبِ إلَى وُصُولِهِ لِلْمَالِكِ وَلَوْ أَعْطَى الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ، وَكَذَا حُكْمُ ضَمَانِ زَوَائِدِهِ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إمْسَاكُ الدَّرَاهِمِ الْمَبْدُولَةِ، إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً وَغَرَامَةُ مِثْلِهَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا كَالْقَرْضِ فَيَرُدُّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ، وَيُتَصَوَّرُ زِيَادَتُهَا بِأَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا حَيَوَانًا فَيُنْتِجَ أَوْ شَجَرَةً فَتُثْمِرَ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُ أَهْلُهُ بِالْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ الْقِيمَةَ إلَّا إذَا رَدَّ الْعَيْنَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْحَيْلُولَةِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ رَدِّهَا فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَسْتَرِدُّ الْقِيمَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْمَغْصُوبِ، لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ النَّصِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيُّ (فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ)، حَيْثُ ظَفِرَ بِهِ (فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ) شَاءَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ مِنْ الْمَوَاضِعِ، الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ الْغَاصِبُ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ فَتَلِفَ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ التَّخْيِيرُ (فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ) حِسًّا بِأَنَّ لَمْ يُوجَدْ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ مَنَعَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ، أَوْ وُجِدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ (غَرَّمَهُ) الْمَالِكُ (قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً)؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ فِيهِمَا بَلْ يُطَالِبُهُ بِأَكْثَرِ قِيَمِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ لِمَا ذُكِرَ.
المتن: وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ، وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ، إلَى التَّلَفِ، وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ظَفِرَ) الْمَالِكُ (بِالْغَاصِبِ) لِلْمِثْلِيِّ أَوْ الْمُتْلِفِ بِغَيْرِ غَصْبٍ، بِأَنْ وَجَدَهُ (فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ)، وَالْمِثْلُ مَوْجُودٌ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ) الْيَسِيرِ (فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَلَا مُطَالَبَةَ) لَهُ (بِالْمِثْلِ) وَلَا لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمُتْلِفِ، أَيْضًا تَكْلِيفُهُ قَبُولَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالضَّرَرِ (بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ)؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرُّجُوعِ إلَى الْمِثْلِ كَالِانْقِطَاعِ. وَالثَّانِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فِي وَقْتِ الرُّخْصِ لَهُ طَلَبُهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ. وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِثْلَ قِيمَةِ بَلَدِ التَّالِفِ أَوْ أَقَلَّ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ.
تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى قِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يُنْقَلْ الْمَغْصُوبُ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ نُقِلَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ قِيمَةً وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمِثْلِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكْلِيفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ، وَلَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَلَوْ ظَفِرَ بِالْمُتْلِفِ الَّذِي لَيْسَ بِغَاصِبٍ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمِثْلِيِّ شَرَعَ فِي، ذِكْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَقَالَ: (وَأَمَّا) الْمَغْصُوبُ (الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ) وَقْتِ (الْغَصْبِ إلَى) وَقْتِ (التَّلَفِ)؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ غَاصِبٌ مُطَالَبٌ بِالرَّدِّ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّ ضَمِنَ بَدَلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الرُّخْصِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يُمْكِنُ تَوَقُّعُ الزِّيَادَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَمْ تَفُتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بَيْنَ تَغَيُّرِ السِّعْرِ أَوْ تَغَيُّرِ الْمَغْصُوبِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ التَّلَفِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ مِنْ نَقْدِ بَلَدِ التَّلَفِ، قَالَاهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَيَتَّجِهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ الَّذِي تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِيهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً كَمَا مَرَّ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ مَا يُقَارِبُهُ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْقِيمَةِ مَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ وَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ لَأَجْزَأَهُ فَتَعَيَّنَ عِنْدَ عَدَمِهِ، حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَتَسَاوَيَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (وَفِي الْإِتْلَافِ) لِلْمُتَقَوِّمِ (بِلَا غَصْبٍ) يَضْمَنُ (بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا وُجُودَ لَهُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يَصْلُحُ كَالْمَفَازَةِ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ كَمَا فِي الْكَافِي.
المتن: فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا، وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ) نَقَصَ كَأَنْ (جَنَى) عَلَى مُتَقَوِّمٍ بِيَدِ مَالِكِهِ، أَوْ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْيَدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ (وَتَلِفَ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِسِرَايَةٍ) وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ (فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا) وَهُوَ الْمِائَةُ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ؛ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى (وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَمْ لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمَةً أَمْ لَا إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ، وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ مَعَ أَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلَكِنْ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ يَرَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَالٌ، وَالْحَاكِمُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَرَى إرَاقَتَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَجَاهِرُ بِهِ مُسْتَحِلَّهُ مَذْهَبًا أَوْ تَقْلِيدًا. أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَهَلْ الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يَتْبَعُ مَذْهَبًا كَهَذَا أَوْ يُصْرَفُ لِمُسْتَبِيحٍ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ ا هـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَوَقِّيَ الْغُرْمِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَغَيْرِهِ، فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُسْكِرَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الْمَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُظْهِرُ تَرْجِيحَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ. وَأَمَّا إنَاءُ الْخَمْرِ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ كَسْرُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِرَاقَةِ إلَّا بِهِ، أَوْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهِ أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ، أَوْ كَانَ يُضَيِّعُ زَمَانَهُ وَيَتَعَطَّلُ شُغْلُهُ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُهِمَّاتِ (وَلَا تُرَاقُ) الْخَمْرُ وَنَحْوُهَا (عَلَى ذِمِّيٍّ)؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا) أَوْ غَيْرَهُمَا كَهِبَتِهَا وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ فَتُرَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ اسْتِهَانَةً بِالْإِسْلَامِ كَإِظْهَارِهِمْ كُفْرَهُمْ وَالْإِظْهَارُ هُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ، وَالْخِنْزِيرُ كَالْخَمْرِ فِي ذَلِكَ، هَذَا إذَا كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَإِنْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ مَثَلًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ إذَا تَظَاهَرُوا بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ (وَتُرَدُّ عَلَيْهِ) إذَا لَمْ يُظْهِرْهَا وُجُوبًا (إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ) لِمَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ عَلَيْهَا، وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْآخِذِ فِي الْأَصَحِّ، فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ لَا يَضْمَنُ رَدَّهَا. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ زُجِرَ، فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ (وَكَذَا) تُرَدُّ الْخَمْرَةُ (الْمُحْتَرَمَةُ) إنْ بَقِيَتْ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا (إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ، فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ بَلْ تُرَاقُ، وَالْمُحْتَرَمَةُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا: هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّهْنِ: هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، فَالَّتِي عُصِرَتْ بِغَيْرِ قَصْدِ شَيْءٍ مُحْتَرَمَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَمَنْ أَظْهَرَ خَمْرًا وَزَعَمَ أَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْوَرَعِ مَشْهُورَ التَّقْوَى وَإِلَّا لَاتَّخَذَ الْفُسَّاقُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى اقْتِنَاءِ الْخَمْرِ بِإِظْهَارِهَا، وَأَنَّهُمْ عَصَرُوهَا لِلْخَلِيَّةِ ا هـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَوْ اطَّلَعْنَا عَلَى خَمْرٍ وَمَعَهَا مَخَايِلُ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهَا.
المتن: وَالْأَصْنَامُ وَآلَاتُ الْمَلَاهِي لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ، وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصْنَامُ) وَالصُّلْبَانُ (وَآلَاتُ الْمَلَاهِي) كَالطُّنْبُورِ (لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ)؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ لَا تُقَابَلُ بِشَيْءٍ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ مَا جَازَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالدُّفِّ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى كَاسِرِهِ وَفِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلِّ الِاتِّخَاذِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ)، لِإِمْكَانِ إزَالَةِ الْهَيْئَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ. نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إنَاءِ الْخَمْرِ بَلْ أَوْلَى (بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ) لِزَوَالِ الِاسْمِ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ تَفْصِيلُ الْجَمِيعِ بَلْ بِقَدْرِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْتَارِ فَقَطْ جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا، وَالثَّالِثُ: تُكْسَرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَا الْأُولَى وَلَا غَيْرِهَا، وَلَوْ زَادَ فِي الْكَسْرِ عَلَى الْمَشْرُوعِ غَرِمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْرُوعِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْآلَةِ الزِّيَادَةَ وَأَنْكَرَ الْمُتْلِفُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ صَاحِبُ الْآلَةِ كَمَا يُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِيمَا لَوْ أَرَاقَ شَيْئًا، وَقَالَ الْمَالِكُ: كَانَ عَصِيرًا، وَقَالَ الْمُتْلِفُ: بَلْ خَمْرًا، فَإِنَّ الْمَالِكَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْمَالِيَّةِ (فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ)، أَيْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُفْرِطٌ، وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُهَا مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِلْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّ رَضَاضَهَا مُتَمَوِّلٌ، وَيَشْتَرِكُ فِي جَوَازِ إزَالَةِ. الْمُنْكَرِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَلَوْ أَرِقَّاءَ وَفَسَقَةً. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي حِفْظِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَتُهُ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْعُدَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ ذَلِكَ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَمِنْ شُرُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ مُسْلِمًا. قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِلدِّينِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَهُوَ جَاحِدٌ لِأَصْلِ الدِّينِ وَعَدُوٌّ لَهُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يُثَابُ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ إزَالَةِ سَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبَالِغِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَهُوَ مِنْ أَهْل الْقُرَبِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى قَادِرٍ مُكَلَّفٍ، (وَتُضْمَنُ) بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ (مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ كُلِّ مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا كَالْكِتَابِ وَالدَّابَّةِ وَالْمِسْكِ (بِالتَّفْوِيتِ)، كَأَنْ يُطَالِعَ فِي الْكِتَابِ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ أَوْ يَشُمَّ الْمِسْكَ (وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرَهُ كَإِغْلَاقِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْشٌ أَمْ لَا كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأُجَرُ فِي مُدَّةٍ ضَمِنَ كُلَّ مُدَّةٍ بِمَا يُقَابِلُهَا أَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ صَنَائِعُ وَجَبَ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهَا، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْجَمِيعِ كَخِيَاطَةٍ وَحِرَاسَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ أَمَّا مَا لَا يُؤَجَّرُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ كَكَلْبٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا كَآلَاتِ اللَّهْوِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْحُبُوبِ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُ، فَلَوْ اصْطَادَ بِالْكَلْبِ شَيْئًا كَانَ لَهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا فَاصْطَادَ بِهِمَا، فَإِنْ اصْطَادَ لَهُ الْعَبْدُ شَيْئًا فَالْمَصِيدُ لِسَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَجَرْتَهُ فِي زَمَنِ صَيْدِهِ أَيْضًا.
المتن: وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ) وَهُوَ الْفَرْجُ (إلَّا بِتَفْوِيتٍ) بِالْوَطْءِ فَيَضْمَنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ، بَلْ الْيَدُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ لِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ الْمَغْصُوبَةَ، وَلَا يُؤَجِّرُهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ حَائِلَةٌ (وَكَذَا) لَا تُضْمَنُ (مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ) إلَّا بِالتَّفْوِيتِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَتَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَمَنَافِعُهُ تَفُوتُ تَحْتَ يَدِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُقَوَّمُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَأَشْبَهَتْ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَنْفَعَةِ عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ فَلَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف فِي بَابِ السَّرِقَةِ، فَقَالَ: وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدِهِ وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى، وَعَنْ ثِيَابِ الْحُرِّ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ فَلَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَوْلِي صَغِيرًا كَانَ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَوْ كَبِيرًا قَوِيًّا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا.
تَنْبِيهٌ: مَنْفَعَةُ الْمَسْجِدِ وَالشَّارِعِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَقْبَرَةِ وَأَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَنَحْوِهَا مُلْحَقَةٌ بِبَدَنِ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ لَا بِالْفَوَاتِ. فَلَوْ شَغَلَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَتَاعِهِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا إنْ لَمْ يُغْلِقْهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْكُلِّ، فَإِنْ أَغْلَقَهُ بِلَا وَضْعِ مَتَاعٍ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْبُقْعَةُ.
المتن: وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ) عِنْدَ الْغَاصِبِ (بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ) كَسُقُوطِ يَدِ الْعَبْدِ بِآفَةٍ وَعَمَاءٍ (وَجَبَ الْأَرْشُ) لِلنَّقْصِ (مَعَ الْأُجْرَةِ) لِلْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ وَيَضْمَنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ سَلِيمًا قَبْلَ النَّقْصِ، وَمَعِيبًا بَعْدَهُ (وَكَذَا) يَجِبُ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ (لَوْ نَقَصَ بِهِ) أَيْ الِاسْتِعْمَالِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (بَلِيَ الثَّوْبُ) بِاللُّبْسِ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ نَشَأَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ قُوبِلَ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانٌ آخَرُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ لَا الِاسْتِعْمَالِ.
المتن: ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَا حَلَفَ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلُقِيٍّ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ، وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٍ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا، لَوْ (ادَّعَى) الْغَاصِبُ (تَلَفَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ، وَسَيَأْتِي ضَبْطُ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ (وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ) ذَلِكَ (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجِزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَأَدَّى إلَى تَخْلِيدِ حَبْسِهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (فَإِذَا حَلَفَ) الْغَاصِبُ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ) بَدَلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةَ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ، وَالثَّانِي: لَا لِبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي زَعْمِهِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ) بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ حَلَفَ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ)، كَأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: هِيَ لِي، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ هِيَ لِي (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي عَيْبٍ خِلْقِيٍّ) كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ وُلِدَ أَكْمَهَ أَوْ عَدِيمَ الْيَدِ، وَقَالَ الْمَالِكُ: كَانَ سَلِيمًا، وَإِنَّمَا حَدَثَ عِنْدَك (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْمَالِكِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِمَّا قَالَهُ الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ سُمِعَتْ وَكُلِّفَ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا قَالَهُ إلَى حَدٍّ لَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهَا لَا تُسْمَعُ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ أَقَامَهَا عَلَى الصِّفَاتِ لِتُقَوِّمَهُ الْمُقَوِّمُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَمْ تُقْبَلْ، لَكِنْ يَسْتَفِيدُ الْمَالِكُ بِإِقَامَتِهَا إبْطَالَ دَعْوَى الْغَاصِبِ مِقْدَارًا حَقِيرًا لَا يَلِيقُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِالصِّفَاتِ وَذَكَرَ قِيمَةً حَقِيرَةً، فَيُؤْمَرُ بِالزِّيَادَةِ إلَى حَدِّ اللَّائِقِ، وَإِنْ أَقَامَهَا بِقِيمَتِهِ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ تُسْمَعْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَى الْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ الْحُرُّ فَلَا تَثْبُتُ يَدُ غَاصِبِهِ أَوْ سَارِقِهِ عَلَى ثِيَابِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَالْبَيِّنَةُ مُمْكِنَةٌ (وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي عَيْبٍ حَادِثٍ) بَعْدَ تَلَفِهِ، كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ سَارِقًا أَوْ أَقْطَعَ (يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَلَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ وَبِهِ عَيْبٌ، وَقَالَ: غَصَبْتُهُ هَكَذَا، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ حَدَثَ عِنْدَك صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ. فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، بَلْ لَوْ تَلِفَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْآتِيَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي التَّلَفِ قَدْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَضَعُفَ جَانِبُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الرَّدِّ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (نَاقِصَ الْقِيمَةِ) بِسَبَبِ الرُّخْصِ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ، وَاَلَّذِي فَاتَ إنَّمَا هُوَ رَغَبَاتُ النَّاسِ.
المتن: وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ. قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا غَصْبًا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا) مَثَلًا (قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ) مَثَلًا (فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ) مَثَلًا (فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى، الْقِيَمِ)؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ بِاللُّبْسِ نِصْفُ الثَّوْبِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ، مَا كَانَتْ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ خَمْسَةٌ، وَالنُّقْصَانُ الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفُهُ سَبَبُهُ الرُّخْصُ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَيَجِبُ أَيْضًا مَعَ الْخَمْسَةِ أُجْرَةُ اللُّبْسِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ بِاللُّبْسِ إلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ بِالْغَلَاءِ إلَى عِشْرِينَ لَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ خَمْسَةٌ فَقَطْ، وَهِيَ الْفَائِتَةُ بِاللُّبْسِ، لِامْتِنَاعِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ بِدَلِيلِ، أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فِي حُدُوثِ الْغَلَاءِ قَبْلَ التَّلَفِ بِاللُّبْسِ فَقَالَ الْمَالِكُ: حَدَثَ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ (قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ) أَيْ فَرْدَيْ خُفٍّ فَكُلُّ وَاحِدٍ يُسَمَّى خُفًّا (قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا) فِي يَدِهِ (غَصْبًا) لَهُ فَقَطْ، فَأُتْلِفَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَصْبٍ (أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ) وَالْقِيمَةُ لَهُمَا وَلِلْبَاقِي مَا ذُكِرَ (لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) خَمْسَةٌ لِلتَّالِفِ وَثَلَاثَةٌ لِأَرْشِ مَا حَصَلَ مِنْ التَّفْرِيقِ عِنْدَهُ فَالثَّمَانِيَةُ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ وَأَرْشُ التَّفْرِيقِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ.
تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي يَدِ مَالِكِهِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ وَهُمَا قِيمَتُهُ وَحْدَهُ، وَنَبَّهَ بِالْخُفَّيْنِ عَلَى إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي كُلِّ فَرْدَيْنِ لَا يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا، إلَّا بِالْآخَرِ كَزَوْجَيْ النَّعْلِ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ، وَأَجْرَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي زَوْجَيْ الطَّائِرِ إذَا كَانَ يُسَاوِي مَعَ زَوْجِهِ أَكْثَرَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ أَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَحْدَهُ نِصَابًا وَإِنْ ضَمَّنَاهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نِصَابًا فِي الْحِرْزِ حَالَ الِانْضِمَامِ وَنَقَصَ بِالتَّفْرِيقِ حَالَ الْإِخْرَاجِ فَضَمَّنَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَقْصَى مَعَ وَضْعِ الْيَدِ وَلَمْ يَقْطَعْهُمَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِخْرَاجِ.
المتن: وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ، وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ حَدَثَ) فِي الْمَغْصُوبِ (نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (جَعَلَ) الْغَاصِبُ (الْحِنْطَةَ) الْمَغْصُوبَةَ (هَرِيسَةً) أَوْ الدَّقِيقَ عَصِيدَةً (فَكَالتَّالِفِ) حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ بِحَالِهِ لَفَسَدَ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ الْمَغْصُوبِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ (وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ) قِيَاسًا عَلَى التَّعْيِيبِ الَّذِي لَا يَسْرِي وَفِي ثَالِثٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ تَبْقَى لَهُ هَرِيسَةٌ أَوْ الْعَصِيدَةُ لِلْغَاصِبِ؟ لِأَنَّا أَلْحَقْنَاهُ بِالْهَالِكِ، أَوْ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً لِغَيْرِهِ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقُّ بِجِلْدِهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا، كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ الْأَوَّلُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ، بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَا بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الشَّاةِ، وَمِثْلُ الشَّاةِ مَا لَوْ نَجَّسَ الزَّيْتَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ بَدَلَهُ وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِزَيْتِهِ.
تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَدَثَ النَّقْصُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ حَدَثَ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ نَقَّصَ الطَّعَامَ بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ. أَمَّا مَا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ أَرْشُهُ، كَمَا مَرَّ.
المتن: وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ جَنَى) الرَّقِيقُ (الْمَغْصُوبُ) فِي يَدِ الْغَاصِبِ (فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ) ابْتِدَاءً أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَعُفِيَ عَلَى مَالٍ (لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ)؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ فَلَزِمَ تَخْلِيصُهُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ هُوَ الْقِيمَةَ فَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَالَ فَهُوَ الَّذِي وَجَبَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ الْعَيْبِ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى مَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ تَلِفَ) الرَّقِيقُ الْجَانِي (فِي يَدِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ) أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ (وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّمَهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، (وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ) مِنْ الْغَاصِبِ بِقَدْرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ الَّتِي حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا (ثُمَّ) إذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ (يَرْجِعُ الْمَالِكُ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ (عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ بِالْأَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُبَرِّئُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغَاصِبَ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ. نَعَمْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأَدَاءِ كَمَا يُطَالِبُ بِهِ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ) الْجَانِي (إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ) مِنْهُ (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ حِينَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَنَى الرَّقِيقُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا ثُمَّ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَكُلٌّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ مُسْتَغْرِقَةٌ قِيمَتَهُ بِيعَ فِيهِمَا وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ، بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْجِنَايَةِ الْمَضْمُونَةِ عَلَيْهِ، وَلِلْأَوَّلِ التَّعَلُّقُ بِهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِكِ رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَأْخُوذُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَالثَّانِي: لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ إلَّا بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَخَذَهُ
المتن: وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمِّهَا، وَإِذَا أَعَادَ الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ، وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا) بِكَشْطِهِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ) إلَى مَحَلِّهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ نَقْلِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَوْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ (أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ) إنْ كَانَ تَالِفًا لِمَا مَرَّ أَنَّ التُّرَابَ مِثْلِيٌّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ مِثْلِهِ غَرِمَ الْأَرْشَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِتُرَابِهَا بَعْدَ نَقْلِهِ مِنْهَا (وَ) أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى (إعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ) قَبْلَ النَّقْلِ مِنْ انْبِسَاطٍ أَوْ ارْتِفَاعٍ أَوْ انْخِفَاضٍ لِإِمْكَانِهِ.
تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِمَا قُيِّدَتْ بِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا لَوْ أَخَذَ التُّرَابَ مِنْ مَكَانَ وَاحِدٍ بِحَيْثُ صَارَ مَكَانَهُ حُفْرَةً فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْقِمَامَاتِ، فَفِي الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ عِنْدَ تَلَفِهَا فَإِنَّهَا مُحَقَّرَةٌ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وُجُوبُ رَدِّهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ) لَهُ (وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ) أَوْ مَنَعَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي (إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ) أَيْ النَّقْلِ (غَرَضٌ)، كَأَنْ ضَيَّقَ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكَ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ شَارِعًا وَخَشِيَ مِنْهُ ضَمَانًا، أَوْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ وَكَانَ ذَلِكَ النَّقْصُ يَزُولُ بِالرَّدِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ (وَإِلَّا)، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَأَنْ نَقَلَهُ مِنْهَا إلَى مَوَاتٍ، أَوْ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا إلَى الْآخَرِ (فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ الرَّدَّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْهُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَهُ الرَّدُّ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ مِلْكَهُ إلَى مَحِلِّهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْ الرَّدِّ، فَإِنْ مَنَعَهُ لَمْ يَرُدَّ جَزْمًا، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ بَسْطِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ لَمْ يَبْسُطْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَبْسُوطًا، (وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ نَقْلِ التُّرَابِ بِالْكَشْطِ (حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا) فَعَلَيْهِ الطَّمُّ بِتُرَابِهَا إنْ بَقِيَ وَبِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ إنْ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِالطَّمِّ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ اسْتَقَلَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ الطَّمُّ بِمِثْلِ التُّرَابِ التَّالِفِ، بِأَنَّهُ إذَا تَلِفَ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ مِثْلُهُ، وَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يُمْلَكُ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الرَّدُّ بِدُونِ الْإِذْنِ ا هـ. وَلَعَلَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَمِنْ الْغَرَضِ هُنَا ضَمَانُ التَّرَدِّي، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ وَرَضِيَ بِاسْتِدَامَتِهَا فَلَيْسَ لَهُ الطَّمُّ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الطَّمِّ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَدْ طَوَى الْبِئْرَ بِآلَةِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ (وَإِذَا أَعَادَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ) فِيهَا (نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ) عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لَهُ (لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ) مِنْ الرَّدِّ وَالطَّمِّ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ آتِيًا بِوَاجِبٍ كَمَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا قَبْلَهَا.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لِمُدَّةِ الْحَفْرِ وَالْإِعَادَةِ وَهِيَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَزْيَدُ فَائِدَةً لَوْلَا مَا قَدَّرْنَاهُ (وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ) فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْإِعَادَةِ (وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا.
المتن: وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ، رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ) مِنْ الْأَدْهَانِ كَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ (وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ)، كَأَنْ غَصَبَ صَاعًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَصَارَ إلَى نِصْفِ صَاعٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ (رَدَّهُ) لِبَقَاءِ الْعَيْنِ (وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ) مِنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يُجْبَرُ نَقْصُهُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ خُصِيَ الْعَبْدُ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلَى الْجَدِيدِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ جَبْرُ النُّقْصَانِ، إذْ مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ حَصَلَ مِنْ وَاحِدٍ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالزِّيَادَةِ (فَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ) كَأَنْ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ الصَّاعِ بَلْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، كَأَنْ صَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ (لَزِمَهُ الْأَرْشُ) جَبْرًا لَهُ (وَإِنْ نَقَصَتَا) أَيْ الْعَيْنُ وَالْقِيمَةَ جَمِيعًا (غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِي مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ) مِنْ نَقْصِ الْعَيْنِ كَأَنْ صَارَ الصَّاعُ نِصْفَ صَاعٍ يُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَأَنْ صَارَ نِصْفُ الصَّاعِ يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا أَرْشَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ، وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ مِثْلَ الذَّاهِبِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالذَّاهِبُ مِنْ الدُّهْنِ دُهْنٌ مُتَقَوِّمٌ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْفَلْسِ حَيْثُ يَضْمَنُ بَدَلَ الذَّاهِبِ لِلْبَائِعِ كَالزَّيْتِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بِالْإِغْلَاءِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ حِصَّةٌ، فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَالزَّائِدُ بِالْإِغْلَاءِ هُنَا لِلْمَالِكِ فَانْجَبَرَ بِهِ الذَّاهِبُ، وَمِثْلُ إغْلَاءِ الْعَصِيرِ مَا لَوْ صَارَ الْعَصِيرُ خَلًّا، أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا نَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَا يَضْمَنُ مِثْلَ الذَّاهِبِ، وَأَجْرَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي اللَّبَنِ إذَا صَارَ جُبْنًا وَنَقَصَ كَذَلِكَ وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بِوَزْنِهِمَا.
المتن: وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ، وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ) الطَّارِئَ فِي الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْغَاصِبِ (لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ) حَصَلَ (قَبْلَهُ) عِنْدَهُ، كَأَنْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهُ فَعَادَتْ الْقِيمَةُ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَأَرْشَ السِّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ زَالَ الثَّانِي: رَدَّهَا وَأَرْشَ السَّمْنَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجْبُرُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنٍ فَابْيَضَّتْ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ، وَعَوْدُ الْحُسْنِ كَعَوْدِ السِّمَنِ.
تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ نَقْصَ هُزَالٍ إلَى أَنَّ السِّمَنَ الْمُفْرِطَ الَّذِي لَا تَنْقُصُ الْقِيمَةُ بِزَوَالِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ بِأَنْ كَانَتْ مُعْتَدِلَةً فَسَمِنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ سِمَنًا مُفْرِطًا، وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا رَدَّهَا وَهَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ فِي تَضْمِينِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ كَسَرَ الْحُلِيَّ أَوْ الْإِنَاءَ ثُمَّ أَعَادَهُ بِتِلْكَ الصَّنْعَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا) الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ (يَجْبُرُ النِّسْيَانَ)، سَوَاءٌ اسْتَذْكَرَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ عِنْدَ الْمَالِكِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَشَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْسَهَا بِخِلَافِ السِّمَنِ، فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْجِسْمِ مَحْسُوسَةٌ مُغَايِرَةٌ لِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ الذَّاهِبَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجْبُرُ كَالسِّمَنِ وَرُدَّ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ نِسْيَانِهَا فَكَالتَّذَكُّرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ عِنْدَ الْمَالِكِ، فَلَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُتَّجِهُ، وَلَوْ تَعَلَّمَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا بِهِ ثُمَّ نَسِيَتْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَا فِي كَسْرِ الْمَلَاهِي، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غِنَاءٍ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَالْجَارِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْعَبْدُ، وَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيهِ مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَتْلَفَ دِيكَ الْهَرَّاشِ أَوْ كَبْشَ النِّطَاحِ ضَمِنَهُ غَيْرَ مُهَارِشٍ أَوْ نَاطِحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ.
تَنْبِيهٌ: مَرَضُ الرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ أَوْ تَمَعُّطُ شَعْرِهِ أَوْ سُقُوطُ سِنِّهِ يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كَمَا كَانَ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ سُقُوطِ صُوفِ الشَّاةِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ يَنْقُصُ بِهِ وَصِحَّةُ الرَّقِيقِ وَشَعْرُهُ وَسِنُّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ (وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ) عِنْدَ الْغَاصِبِ (لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ) صَنْعَةٍ (أُخْرَى) عِنْدَهُ (قَطْعًا) وَإِنْ كَانَتْ أَرْفَعَ مِنْ الْأُولَى لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ.
المتن: وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ) عِنْدَهُ، (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ (وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ، إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً) مِنْ الْعَصِيرِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِثْلُ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ كَالتَّالِفِ وَالْخَلُّ عَلَى هَذَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَصَبَ بَيْضًا فَتُفْرِخُ أَوْ حَبًّا فَنَبَتَ أَوْ بَذْرَ قُطْنٍ فَصَارَ قَزًّا.
تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَخَلَّلَ عَمَّا لَوْ يَتَخَمَّرُ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَعَلَيْهِ إرَاقَةُ الْخَمْرِ إنْ عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ إرَاقَتُهَا لِاحْتِرَامِهَا.
المتن: وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ) عِنْدَهُ (أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ) يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ (فَدَبَغَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ مَا اخْتَصَّ بِهِ فَإِذَا تَلِفَا فِي يَدِهِ ضَمِنَهُمَا. وَالثَّانِي: هُمَا لِلْغَاصِبِ لِحُصُولِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ إخْرَاجُ الْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ وَسَوَّى الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ إلَّا إنْ أَعْرَضَ الْمَالِكُ عَنْهَا، فَلَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا، وَإِعْرَاضُ الْمَالِكِ عَنْ الْجِلْدِ كَإِعْرَاضِهِ عَنْ الْخَمْرِ، وَإِذَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ جِلْدًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ مُذَكًّى، وَالْمُتْلِفُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ.
|